ادعمنا

اقتصاديات الإعلام - Media Economics

مع تطور وسائل الإعلام وتعاظم قدرتها على التأثير بالجماهير، لم يعد دورها منحصر فقط بالأبعاد السياسية والثقافية والاجتماعية إنما دخل في صلبها البعد الاقتصادي الذي أضاف إليها سمات جديدة وتحولات بارزة. وبعدما تحولت وسائل الإعلام إلى مؤسسات، أضحت محط اهتمام مختلف الجهات والأطراف للاستثمار بها نظراً لحاجات الإعلام بمختلف وسائله وتقنياته إلى التمويل. إذ كثُر الحديث عن الإعلام باعتباره مؤثراً بارزاً في الاقتصاد العالمي وأداة تستخدم للهيمنة. حيث أصبح لها تأثيراً كبيراً على الأفراد والجماعات والحكومات والأنظمة ككل. هذا وقد تم استخدام مصطلح اقتصاديات وسائل الإعلام حديثاً، فما المقصود به؟ وما هي أبرز العناصر التي يتضمنها؟ وكيف يطبق فعلياً في العالم المعاصر؟

 

تعريف اقتصاديات الإعلام معجمياً

إنّ "اقتصاديات الإعلام" مصطلح مركب من كلمتين الاقتصاد والإعلام. بالاستناد إلى المعجم الاقتصادي، إنّ الاقتصاد "هو علم يعني بدراسة الظواهر الاقتصادية. ومن أهداف الدراسة الاقتصادية وصف وتشخيص جزء هام من اشتغال المجتمعات البشرية بحيث يكون الإنسان في قلب 'التفكير الاقتصادي'. إن مختلف التعريفات – مهما تباعدت- والتطورات الناجمة عنها تشترك في شيء أساسي هو ضرورة ملاحظة جملة من الظواهر الاجتماعية من أجل طرح واقتراح تأويلات عقلانية وتفسيرات موضوعية. وتبعاً للمعجم الكافي إنّ "الإعلامُ: مصدر أعلم. – إحداثُ المعرفة عند المخاطب على وجه صدق. – وضع السِّمَة المميّزة على الشيءِ. -: ما تنشره صحيفة أو إذاعة أو تلفزيون." وهو تعريف مشابه لما ورد في المعجم الرائد على أن "'أجهزة الإعلام' في البلد: أجهزة الدعاية والتوجيه والإرشاد كالراديو والتلفزيون والصحافة ونحوها'."

 

مفهوم اقتصاديات الإعلام 

يعرف روبرت بيكارد- Robert Picard اقتصاديات وسائل الإعلام وهو من أهم آباء هذا التخصص بأنها: "دراسة كيف تقوم المؤسسات الإعلامية بتلبية حاجات ورغبات الجمهور المعلوماتية والترفيهية، وحاجات المعلنين، وحاجات المجتمع بشكل عام، بما يتوفر لديها من موارد". ويُقصد بهذا التعريف ربط العلاقة بين المؤسسات الإعلامية والجمهور من جهة والعلاقة بين المؤسسات الإعلامية والمعلنين من ناحية أخرى. كما ذكرت جيليان دويل- Gilliane Doyle أنّ اقتصاديات الإعلام تهتم "بمجموعـة مـن القضـايا بمـا في ذلـك التجـارة الدوليــة، واستراتيجية الأعــمال، والتجزئــة، ونشر المخــاطر، واســتغلال الحقــوق، وسياســات التسعير، وتطــور أســواق الإعلانــات، والمنافســة والتركيــز الصــناعي في تأثرهــا عــلى صــناعة مؤسسات وسائل الإعلام." وبتعريف جيليان تكون قد ركزت به على مجموعة من القضايا التي تؤثر بمحتوى وسائل الإعلام ومؤسساته.

 بالإضافة إلى ذلك، يُعرف مصطفي كافي اقتصاديات الإعلام على أنها "فرع من فروع الاقتصاد التطبيقي الذي يدرس: الإنتاج، التوزيع، الاستهلاك لمحتويات وسائل الإعلام." وهكذا فإنّ هذا التعريف يسلط الضوء على اقتصاديات الإعلام باعتباره من فروع الاقتصاد التطبيقي الذي يدرس مجموعة من المواضيع بصفته اختصاص قائم بحد ذاته.

 

أسباب الاهتمام باقتصاديات الإعلام

إنّ الاهتمام بالأبعاد الاقتصادية للإعلام ظهر منذ "الأربعينيات من خلال الصناعة السينمائية في أمريكا، وظهر هذا البعد في أوروبا في الستينات، ثم أخيراً في بعض بلدان العالم الثالث مع بداية الألفية الثالثة أي منذ عام 2000، حيث ترسخ الجانب الاقتصادي وفرض قوانينه." إذ يعود الاهتمام بدراسة وتحليل اقتصاديات الإعلام إلى جملة من الأسباب ولعلّ أبرزها يتجلى فيما يلي:

- السعي إلى دراسة العلاقة بين الاقتصاد والاعلام: وذلك للتمكن من معرفة الطريقة أو الاسلوب الذي تعمل وتدار المؤسسات الإعلامية على أساسه. وذلك من خلال تسليط الضوء على أثر المتغيرات الاقتصادية في صناعة القرار في المؤسسات الإعلامية مثل تأثيرها على قرارات المنتجين. حيث تشير اقتصاديات الإعلام "إلى العمليات التجارية والأنشطة المالية للشركات التي تنتج وتبيع مخرجات مختلف الصناعات الإعلامية."

- ضخامة الاستثمار في مجال الإعلام: فإنّ وسائل الإعلام أضحت تحقق أرباح هائلة في ظل العمل الدعائي الذي من الممكن أن يتم من خلالها أي عن طريق الإعلانات. أي على سبيل المثال، "بلغت أرباح صحيفة واحدة وهي نيويورك تايمز الأمريكية 12.3 مليون دولار في عام واحد كما بلغت حصيلتها من الإعلانات في السنة نفسها 175 مليون دولار وقد وصل معدل التوزيع اليومي لهذه الصحيفة 180 ألف نسخة أما العدد الأسبوعي الذي يصدر يوم الأحد فثد بلغ معدل توزيعه مليوناً و 453 ألف نسخة."

- التدخل بالنشاط الاقتصادي للإعلام: فهناك أطراف عدة تحاول التدخل في النشاط الاقتصادي لوسائل الاعلام من أجل ضمان استمراريتها في السوق. فقد تلجأ الدولة المتمثلة في الحكومة إلى هذا الأمر من أجل احتكارها، أو قد تهيمن عليها قوى اقتصادية كبرى، أو قد يستثمر بها القطاع الخاص.

- إيجاد حلول لمشاكل الإنتاج في الإعلام: وذلك في ظل كل التعقيدات المرتبطة بمادة الانتاج والفكر والوقت.

- المتغيرات الحديثة التي أثرت بالإعلام: فإنّ العصر الحديث بكل ما شهده من ثورة تكنولوجية وثورة رقمية وعولمة بمختلف أنواعها الاقتصادية والثقافية وظهور الشركات المتعددة الجنسيات، حتّم الاهتمام بدراسة الاعلام من خلال الجانب الاقتصادي.

 

اقتصاديات الإعلام والإعلام الاقتصادي 

عند الحديث عن اقتصاديات الإعلام فإنه لا يُقصد بها الإعلام الاقتصادي بالمفهوم المتعارف عليه. فإنّ الإعلام الاقتصادي يُعنى بإنتاج المواد الاقتصادية وتقديم أخبارها للجماهير. إذ "في سبيل مواكبة اهتمامات الناس ومتطلباتهم، واستجابة لتطلعات المتلقين، كزبائن للوسائل الإعلامية، عملت هذه الوسائل على الاهتمام بالمواد والأخبار والأنشطة والبحوث الاقتصادية" من خلال أشكال إعلامية مختلفة. أي مثل الأشكال المطبوعة للإعلام الاقتصادي كالمجلات الاقتصادية والصفحة الاقتصادية لي الجريدة اليومية، أو كالأشكال الإذاعية مثل النشرة الإذاعية الاقتصادية، أو كالأشكال التلفزيونية مثل نشرة العملات وغيرها... بينما اقتصاديات الإعلام تُعنى بتحول الإعلام لسلعة مثلها "مثل أي سلعة أخرى تتوفر فيها شروط السلعة التي يطلقها الاقتصاديون: 5Ms وهي المال Money الأيدي العاملة Man Power المواد الخام Material الآلات Machines الإدارة Management." وبذلك أصبحت المؤسسات الإعلامية بمثابة مؤسسات اقتصادية والمستهلك هو الجمهور، وتعمل هذه المؤسسات على اختيار المواد لهم تبعاً لما يفضلون وتبعاً للمعلنين. حيث يقول روبرت بيكارد أنه يسترشد الباحثون في مجال اقتصاديات الإعلام "بالمعتقدات القائلة أنّ الاهتمامات المالية والاقتصادية هي المركزية لفهم أنظمة وشركات الاتصال ولصياغة السياسة العامة المتعلقة بالاتصال."

 

الخصائص الاقتصادية لوسائل الاعلام 

لوسائل الإعلام مجموعة من الخصائص الاقتصادية تميزها. أولاً، إنّ وسائل الإعلام تعمل ضمن أسواق المنتج المزدوج، والمقصود بذلك أنّ وسائل الإعلام تعمل في الوقت عينه على انتاج نوعين من السلع المختلفة ويمكن بيعهما إلى مجموعات مختلفة من المستخدمين. وهذان النوعان هما المحتوى والجمهور، فالمحتوى هو ما يتم عرضه مثل البرامج التلفزيونية وبذلك تم وصفها على أنها سلع ثقافية. والنوع الآخر هو الجمهور حيث "يشكل الترفيـه أو محتوى الأخبار التي يستهلكها المستمعون أو المشاهدون أو القراء واحداً مـن أشـكال الإنتـاج القابلة للبيع. ويشكل الجمهور الذي يجذبه هذا المحتوى منتج آخر ذو قيمة، بقـدر الوصـول إلى الجمهور يمكن تعبئتها، وتسعيرها وبيعها للمعلنين." وهنا من الممكن أن يوجد خطر، أي أنه عندما يتم إنتاج منتج إعلامي لأول مرة فإنه يكون هناك خطراً فيما يتعلق بالطلب عليه، أي إذا كانت تنسجم وتتوافق مع ذوق الجمهور أو تتعارض معه. وهنا تبرز الحاجة إلى استراتيجية إدارة المخاطر من قبل المؤسسات الإعلامية. وكذلك هناك خاصة أخرى تتجلى بِوفورات الحجم، ويُقصد بها قياس معامل الارتباط الذي يتم من خلال مجموع التكاليف مقسوماً على التكلفة الهامشية. حيث "تشير التكلفة الهامشية إلى تكلفة منتج أو خدمة لمستهلك آخر أو إضافي. أما متوسـط التكـاليف هـو مجمـوع تكـاليف المشـاركة في تقديم المنتج أو الخدمة مقسوماً عـلى جمهورهـا - أي العـدد الإجمالي للمستخدمين الـذين يشاهدون أو يقرءون أو يستمعون أو يستهلكون هـذا المنـتج أو الخدمـة أو خـلاف ذلك." بالإضافة إلى ذلك، هناك سمة أخرى تتمثل بِوفورات النطاق، أي تعدد المنتجات لوسائل الإعلام بدلاً من التركيز على منتج واحد، وبذلك تكون تكاليفها أقل. ويمكنها أيضاً أن تعمل على توريد المنتج وعندها تصبح التكاليف مشتركة. كما أنه هناك سمة أخرى مرتبطة بالتكنولوجيات المتغيرة وكيفية تأثيرها على وسائل الإعلام، مثل بروز الرقمنة وتأثيره على محتوى هذه الوسائل.

 

اقتصاديات الإعلام في الولايات المتحدة الأمريكية 

إنّ الولايات المتحدة الأمريكية هي من أوائل الدول التي عرفت مقومات وخصائص اقتصاديات الإعلام. فإنّ أمريكا عرفت علاقة ترابطية وثيقة بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات الاقتصادية في المجتمع. حيث "أثبتت الدراسات المتتالية التي أجريت حول التلفزيون في الولايات المتحدة أن هذه الشبكات إما أن تكون مملوكة للقطاع الخاص كما هو الحال في شبكة NBC المملوكة بنسبة 80% لشركة (جنرال الكتريك)، أو أن هناك مصالح مشتركة مع تلك الشركات كما هو الحال بين شبكة (CNN) وشركة (مايكروسوفت) وشركة (تايم وورنر)". وهذه العلاقة الوثيقة تبرز من خلال تمويل الشبكات والتي تتم عبر طرق مختلفة كالإعلان والدعم المباشر. كما أنّ الإعلانات تدرج مثلاً ضمن البرامج التلفزيونية وتوضع خلالها للوصول إلى الجمهور. إذ أن سوق الإعلانات منتشر بكثافة في الولايات المتحدة الأمريكية ويشكل جزء من الاقتصاد الأمريكي حيث هناك ترابط بين صناعة الإعلام وصناعة الإعلان. وبذلك أصبح هناك ثالوث بين الإعلام والإعلان والاقتصاد. فَعلى سبيل المثال أظهرت "وسائل الاتصال الحديثة أن 4.5 مليون دولار كان متوسط سعر الإعلان الواحد أثناء فترة الإعلانات في اللعبة النهائية لبطولة كرة القدم الأمريكية، أو السوبر بول. وإذا أضفنا أن فترة الإعلان هي 30 ثانية، فإنّ تكلفة الثانية الواحدة هي 150 ألف دولار أمريكي". وذلك لأنّ المعلن يستغل هذا الأمر كون عدد المشاهدين يكون ضخم خلال هذه المباريات ويتم النظر إلى المشاهدين على أنهم زبائن محتملين. كما أنّ هناك ابتكارات حديثة للتسويق وهي من خلال الأفلام، حيث يتم إدخال المنتجات كالملابس والسيارات وأجهزة الاتصالات والأسماء التجارية ضمن المادة الإعلامية للتأثير بالمشاهدين وتتحول المادة الترفيهية إلى مادة تسويقية في الوقت عينه. إنّ هذه الطرق لا تنحصر فقط في الولايات المتحدة الأمريكية، إنما باتت في أغلب دول العالم.

 

نماذج عن اقتصاديات وسائل الإعلام

تتعدد وسائل الإعلام وأشكالها، ولكل منها خصائصها الاقتصادية التي تميزها سواء من حيث تكاليفها ومصادر تمويلها وغيرها... لذا سيتم عرض بعض النماذج عنها:

- اقتصاد الصحافة المطبوعة: إنّ الصحافة المطبوعة تُعتبر تقليدية، فإنّ مصادر تمويلها والتي تُعتبر مشروعة تتمثل بالتوزيع والاشتراكات والإعلانات والطباعة التجارية لحساب الآخرين. فإنّ التوزيع هو مصدر تقليدي مرتبط بالتسويق لوصول المؤسسة الصحفية التي تُعد المنتج إلى القارئ الذي يُعد المستهلك. أما المصدر الثاني فهو الإعلانات، حيث تُشكل مصدر أساسي للتمويل إذ تُباع الإعلانات في الصحف بالسطر أو بالعامود على سبيل المثال. حيث "تبلغ نسبة مساهمة الموارد الإعلانية في المجتمعات الرأسمالية ما يقرب من نصف موارد الصحيفة أو أكثر قليلاً. وقد أسس الصحفي الفرنسي أميل دي جيرارديان لنظرية أصبحت فيما بعد أساس كل مشروع صحفي ناجح، عندما نادى وطبق مقولة: إذا بيعت الصحف بثمن قليل سيرفع من عدد النسخ المباعة وكلما ارتفع هذا العدد ازداد إقبال المعلنين وارتفع سعر الإعلان، ونادى أيضاً بمقولة لا ربح تجاري للصحيفة إلا عن طريق جلب المزيد من الإعلانات ورفع سعرها." كما أنه هناك مصدر آخر يتمثل بالطباعة التجارية وذلك لما ما تملكه المؤسسات الصحفية من قدرات فيما يتعلق بالأعمال الطباعية. كذلك قد سلط الضوء لؤي الزعبي في كتابه "اقتصاد الإعلام والمعرفة" على أنّ هناك مصادر غير مشروعة للصحف والتي تتمثل بالمساعدات المالية من الدول الأجنبية والرشوة سواء من الداخل أو الخارج...

- اقتصاد الإذاعة والتلفزيون: إنّ وسائل الإعلام الإذاعية والتلفزيونية تقوم على إعداد البرامج التي تسعى إلى تحقيق عائدات مالية من مشاهدتها. وبذلك "يُباع المنتج الإعلامي المرئي والسمعي عدة مرات عبر مراحل تصنيعه، في عدة أسواق مختلفة وهي: سوق المشاهدين والمستمعين، سوق المعلنين، سوق الأجهزة أو التجهيزات، سوق المنتجات التلفزيونية والإذاعية (الحصص والبرامج) وسوق المالية." فيقصد بسوق المشاهدين أو المستمعين أنّ الهدف الأساسي للتلفزيون أو الإذاعة هو الجمهور، حيث تحدد هذه الوسائل ماذا يريد الجمهور للتمكن من تحقيق عائدات مالية. وكذلك سوق المعلنين يُركز على المعلن الذي يلجأ للإذاعة أو التلفزيون من أجل تخصيص وقت خلال البث من أجل الترويج لبضائعه أو لبناء صورة لشركته. أما المقصود بسوق الأجهزة هي التجهيزات التي لا بدَّ توفيرها لكي يتمكن الجمهور المتلقي من متابعة البرامج التي تُعرض مثل التلفاز أو محرك الأشرطة. بالإضافة إلى ذلك، إنّ سوق البرامج يرتكز على إعداد البرامج مع الأخذ بالاعتبار احتياجات الجمهور، وقد يتم اللجوء إلى الانتاج المشترك وقد يتم بيع البرامج والمنتجات في أسواق البرامج التي قد تكون داخلية أو دولية. كما أنّ يُقصد بسوق المالية ايجاد تمويل مسبق للإنتاج مثلاً من خلال البنوك التي قد تتحول لشريك للوسيلة الإعلامية. فضلاً عن ذلك هناك سوق العمل أي العاملين مثل الصحفيين والمبرمجين وغيرهم... فإنّ الشخصيات التي تبرز على الوسيلة الإعلامية يكون لها أثر على نسبة المشاهدة.

- اقتصاد الإعلام الرقمي: إنّ تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وبروز الإنترنت، أدى إلى ظهور تقنيات ووسائل حديثة للإعلام كالمواقع والصفحات الالكترونية، المراسلات البريدية، مواقع المحادثة، المدونات، مواقع التواصل الاجتماعي. وحتى أنّ الإعلام الرقمي أخذ يؤثر على باقي وسائل الإعلام التقليدية كالصحف والتلفزيون، حيث أصبح على سبيل المثال لها مواقع الكترونية. حيث "'يؤكد الكثير من المحللين الاقتصاديين على التأثير الايجابي الذي أحدثته تكنولوجيا الإنترنت في صناعة الإعلام، فقد ركز غوديون في دراسته عام 1998 على تأثير رقمنة الإعلام على وفورات الحجم في محتوى وسائل الإعلام، ويقول من المرجح أن تمتد المزايا الاقتصادية لوسائل الإعلام في رقمنة المنتجات وإنتاجها وتخزينها، ويعتقد غوديون أن تؤدي زيادة الاستثمار إلى انتاج منتج أكثر جاذبية.'" أي أنّ المقصود بوفرة الحجم هو أن المادة قد لا تكلف شيئاً حيث أنّ كلما زاد الطلب على المنتج، تُسترد التكلفة الثابتة، وكذلك تزداد المبيعات وتزداد معها الأرباح وتنعدم التكلفة. وبذلك عند الحديث عن اقتصاديات الإعلام الجديد، فإنّ النقاش يدور حول محتوى هذه المادة والمواقع الإلكترونية التي باتت بمثابة سلع مادية وكذلك حول الجماهير التي أضحت تدخل في عملية العرض والطلب والشراء والبيع. فإنّ التطبيقات والمواقع الإلكترونية تحقق أرباحاً على سبيل المثال من خلال كل زائر وعند تحميل كل مستخدم للتطبيق. وهنا لا بدَّ من الإشارة أن من خلال محركات البحث أصبح يمكن تحديد ما يشاهده الجمهور ويتم تحليل البيانات وبيعها للشركات للتحكم بالمحتوى والتأثير بالفئات المستهدفة. ولذلك تبعاً للمعلومات التي يتم جمعها عن المستخدم من خلال اهتماماته، يتم وضع ما يُلفت نظره على مواقع الإنترنت وتطبيقاته لضمان بقائه وقت أطول وبذلك يتم تحقيق أرباح أكثر. إنّ الفيلم الوثائقي المعضلة الاجتماعية- The Social Dilemma يُركز على هذا الأمر من خلال استضافته لشخصيات كانت قد عملت في مناصب ومواقع مهمة في هذا المجال.

فإنّ اقتصاديات الإعلام بكافة أشكالها قد عززت انتشار المنافسة بين الشركات والمؤسسات الإعلامية من مختلف الدول. وخاصة في ظل النظام الرأسمالي، قد تم استخدامها كأداة للهيمنة على الدول الأخرى من أجل فرض إيديولوجيات جديدة وأنماط معيشية ومنتجات استهلاكية جديدة. فهل يمكن لوسائل الإعلام رغم كل ذلك أن تحافظ على حيادها ونقل الوقائع للجماهير والرأي العام كما هو؟ وبعد تحول الأموال والأرباح إلى أهداف رئيسية لوسائل الإعلام والاتصال والتواصل، هل ما زال يُمكن الحديث عن خصوصية المستخدمين؟

 

المصادر والمراجع:

جمال عبد الناصر، المعجم الاقتصادي، دار أسامة- المشرق الثقافي، الطبعة الأولى، الأردن، 2006.

محمد خليل باشا، الكافي معجم عربي حديث، شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، لبنان، 1999.

جبران مسعود، المعجم الرائد معجم ألفبائي في اللغة والاعلام، دار العلم للملايين، الطبعة الأولى، لبنان، 2003.

ابراهيم بنازا، محاضرات بعنوان: مقياس اقتصاديات وسائل الإعلام، غير محدد. 

جيليان دويل، اقتصاديات وسائل الإعلام، ترجمة محمد عبد الحميد، دار الفجر، الطبعة الأولى، مصر، 2015.

مصطفى كافي، اقتصاديات صناعة الإعلام، دار الحامد، الطبعة الأولى، عمان، 2015.

لؤي الزعبي، اقتصاد الإعلام والمعرفة، الجامعة الافتراضية السورية، سوريا، 2020. 

جورج كلاس وميشال سبع، الإعلام المتخصص فنون وتقنيات، منشورات الجامعة اللبنانية- قسم الدراسات الإعلامية، لينان، 2009.

شوقي عطية، الوجه الآخر للإعلام الاتصال والتواصل بين الرسالة والتسويق، دار نلسن، الطبعة الأولى، لبنان، 2016.

بوقرة رضوان، مطبوعة بيداغوجية في مقياس: اقتصاديات وسائل الإعلام، مقدمة لطلاب السنة الثانية ليسانس علوم الاعلام والاتصال، جامعة بوضياف- كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية- قسم علوم الإعلام والاتصال.

حمدي علي، ورقة عمل بعنوان: الإعلام الرقمي واقتصاديات صناعته، مقدمة للمنتدى الاعلامي السنوي السابع للجمعية السعودية للإعلام والاتصال، السعودية، 2016.

James Owers- Rod Carveth and Alison Alexander, Media Economics Theory and Practice, Lawrence Erlbaum Associates, Third Edition, London, 2004.

Alan B. Albarran, Sylvia M. Chan-Olmsted, Michael O. Wirth, Handbook of Media Management and Economics, Lawrence Erlbaum Associates, London, 2006. 

إقرأ أيضاً

شارك أصدقائك المقال

ابقى على اﻃﻼع واشترك بقوائمنا البريدية ليصلك آخر مقالات ومنح وأخبار الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ

ﺑﺘﺴﺠﻴﻠﻚ في ﻫﺬﻩ اﻟﻘﺎﺋﻤﺔ البريدية، فإنَّك ﺗﻮاﻓﻖ ﻋﻠﻰ اﺳﺘﻼم اﻷﺧﺒﺎر واﻟﻌﺮوض والمعلوﻣﺎت ﻣﻦ الموسوعة اﻟﺴﻴﺎﺳﻴّﺔ - Political Encyclopedia.

اﻧﻘﺮ ﻫﻨﺎ ﻟﻌﺮض إﺷﻌﺎر الخصوصية الخاص ﺑﻨﺎ. ﻳﺘﻢ ﺗﻮفير رواﺑﻂ ﺳﻬﻠﺔ لإﻟﻐﺎء الاشترك في ﻛﻞ ﺑﺮﻳﺪ إلكتروني.


كافة حقوق النشر محفوظة لدى الموسوعة السياسية. 2024 .Copyright © Political Encyclopedia